Overblog
Editer la page Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
/ / /


جامعــة الجزائــر بن يـوسف بن خــدة

كليــة العلــوم السياسيــة و الإعـــلام

قســم علــوم الإعــلام والاتصــال

فــرع ماجستير: دراسات الجمهور

المقيـاس: سوسيولوجيا الجمهور

بحث أكاديمي حول

 الجمهور و السلوك الاتصالي

 

السنة الجامعية

2008/2009

 

خطة البحث

مقدمة.

I تحديد المفاهيم التلقي.

1. الجمهور.

2. السلوك الاتصالي.

3. التعرض.

II أشكال تلقي الرسائل التلفزيونية.

1. التلقي الاختياري .

2. التلقي غير الاختياري.

3. أنماط المشاهدة التلفزيونية.

III نماذج مقاربات التلقي.

1. نموذج الاستعمالات والاشباعات.

2. نموذج التلقي.

3. مفاهيم الجمهور الحديثة.

4. مؤشرات الجيل الثالث من دراسات التلقي.

خاتمة.

 

مقدمـة

أمام كل الظروف التي عرفتها وسائل الإعلام من جهة وجمهورها من جهة أخرى، عرفت دراسات الجمهور تطورات ومفاهيم جديدة أضفتها على سمة الجمهور، فبعدما كان التركيز فقط على الرسالة والتأثير في أبحاث الجمهور وكانت العديد من الدراسات حول تأثيرات وسائل الإعلام على الجمهور أي من ماذا تفعل وسائل الإعلام بالجمهور إلى تبلور فكرة الاهتمام بالمستقبل المتلقي وأصبح ينظر إليه كفرد فاعل ومنتج ونشيط بعد أن كان يعتبر سلبيا يتلقى الرسائل ولا يصدر ردود أفعال ، فظهر نوع جديد من الدراسات ألا وهي مقاربات التلقي أو دراسات الجديدة للجمهور، حيث أصبح التركيز منصبا على العلاقة الرابطة بين الرسالة والمتلقي ودور الجمهور الفعال والنشط في استعمالاته لوسائل التكنولوجيات الاتصال الحديثة.فالسؤال الذي يطرح نفسه في بحثنا هذا ما هو التلقي وماهي أهم مقاربات ونماذج التلقي؟ وماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟ كل هذا سنعالجه وسنعرضه في هذا البحث.

 

I - تحديد المفاهيم

I-1- التلقي:

كلمة التلقي مشتاقة من كلمة يونانية ( CEPER) بمعنى تلقي واستقبال استلام وأخذ ويقال " تلقى شيء منه أي تلقنه ، استخدمت هذه اللفظة بداية من قبل الأنجلو سكسونيون في مجال اللغوي والإعلامي ، ليتم بعدها توسيع استخدامها في مختلف العلوم.

يدل التلقي في معانيه المتعددة أحيانا على كيفية تعامل مجموعة ما من الأشخاص مع أعمال كتاب أو فنان أو مدرسة أو أسلوب عبر التاريخ، ويدل أحيانا على العناصر التي تتحكم في قراءة جمهور معين للخطاب الفني الأدبي.

أما التلقي على مستوى الجمهور كمجموعة الفعل الذي يمارسه المتفرج الفرد كإنسان له مكوناته النفسية والذهنية والاجتماعية لتسلم وتفسير ما يقدم إليه وتتضمن عملية التلقي معاني متعددة، الإدراك، الإحساس، الحكم والبناء المعنى.

أما فعل التلقي هو استقبال الجمهور للرسالة الاتصالية من خلال الوسيلة الجماهيرية، وهو يرتبط بمعايير وخصائص متعددة منها ما يتعلق بشكل ومضمون الرسالة ، ومنها ما يتعلق بالوسيلة وصيغتها كأداة مادية ناقلة للمعلومات . ويصاحبه في ذلك عنصر إتاحة وتوفر هذه الوسيلة وتوافقها مع الجمهور1.

I-2- الجمهور:

يستعمل في هذه الدراسة لدلاله على جميع الأوضاع وهو اشتراك مجموعة من الناس في التعرض للرسائل التي تقدمها وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وفي مختلف مراحل تطورها، كما أنه يستعمل للدلالة على الجمهور كظاهرة سوسيولوجية ارتبط ظهورها وتطورها بالانتشار استعمال وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة وما بعد الحداثة 2 .

I-3- السلوك الاتصالي :

السلوك الاتصالي هو جزء من السلوك الاجتماعي للأفراد داخل المجتمع ولكنه يختص بأنه يحدث عنه تواجد العملية الاتصالية التي هي تتفاعل بين عناصر أساسية وهي المرسل، الرسالة، المتلقي وينجم عن هذا التفاعل ما يسمى بالأثر وهو نتيجة الاتصال.

وللسلوك الاتصالي لجمهور وسائل الإعلام عدد من الفئات الرئيسة يتمثل في التعرض إلى وسائل الإعلام والمشاركة في عملية الاتصال ثم إتباع الدوافع والحاجات وكتلخيص عن هذا ببساطة السلوك الاتصالي هو الأثر الذي تحدثه الرسالة في مستقبل أو متلقي هذه الوسيلة ( الأثر) .

I-4- التعرض:

ويشكل التعرض للرسائل الإعلامية مرحلة هامة في سيرورة العملية الاتصالية وضرورية لكل عملية تلقي ، فيمكن حدوث تلقي بدون تعرض ، ويعد التعرض نقطة البدء في عماليات التفاعل والتأثير بين الجمهور كأفراد ، والرسائل الإعلامية، إذا استقبل الجمهور للرسائل الاتصالية من خلال الوسيلة الجماهيرية مرتبطا ، بفعل التعرض بمعاير وخصائص منها ما يتعلق بالوسيلة وطبيعتها كأداة مادية ناقلة للمعلومات ويصاحبه في ذلك عصر إتاحة وتوفر هذه الوسيلة وتوافقها مع الجمهور وهناك ناحية أخرى متعلقة بخصائص وعادات الأفراد والجماعات ومرجعياتها .

تتضمن سمات نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، تضفي طابعا معينا على فعل التعرض، فقد يكون اختياريا يتمثل بالفعل الإرادي في طلب المعلومات وتلقيها، وقد يكون قصريا غير اختياري يتم بصورة إجبارية عارضة نتيجة لمؤثرات تتعلق بمدلى قدرنه على الاستجابة لمصلحة حقيقية أو إتباع حاجة للترقية والتسلية .

 

II- أشكال تلقي الرسائل التلفزيونية:

إن التلقي التلفزيوني هو فعل استقبال الجمهور للرسالة الاتصالية المتمثلة في برامج من خلال الوسيلة الجماهيرية المتمثلة في التلفزيون ويرتبط فعل التلقي بمعايير وخصائص منها ما يتعلق بشكل ومضمون الرسالة، ومنها ما يتعلق بالوسيلة وطبيعتها كأداة مادية ناقلة للمعلومات ويصاحبه في ذلك عنصرا إتاحة وتوافر هذه الوسيلة وتوافقها مع الجمهور وهنالك ناحية أخرى متعلقة بخصائص وعادات الأفراد والجماعات ومرجعيتها تتضمن سمات نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية ...إلخ

ويمكن تحديد عدة أشكال لفعل التلقي والتي تختلف باختلاف التطبيقات:

II-1- التلقي الاختياري:

يتمثل هذا النوع من التلقي في الفعل الإرادي الذي يمارسه الفرد المشاهد، قصد طلب المعلومات وتليقها للتدعيم أو التفسير أو الاستطلاع لرسالة اتصالية معنية دون أخرى، فتكون المشاهدة مقصودة وتابعة من رغبة وإرادة واختيار الفرد في حد ذاته، وقد يتم التلقي الاختياري بشكل مخطط له كانتظار الأفراد لبرنامج معين وفي وقت محدد من جراء تعودهم على متابعاته يوميا أو من خلال معرفة موعده من الإعلانات. وقد يحدث هذا النوع من التلقي عن طريق الصدفة أي دون التخطيط لنوع البرنامج المشاهد، وهذا ما يظهر لنا من خلال عثور المشاهدين، من خلال المواثبة ودون قصد، على برنامج معين ينال إعجابهم، ففي هذه الحالة تكون المشاهدة اختيارية، ولكن دون علم مسبق بنوع البرنامج المشاهد.

II-2- التلقي غير الاختياري :

وهو التلقي الذي يحدث بصورة ‘اضطرارية، أو إجبارية ، أو ظرفية أو عارضة نتيجة لمؤثرات تتعلق بالمصالحة الحقيقية في موضع الرسالة أو التماسها للترقية أو سبب الحاجة إلى تنويع أو الخصائص والمؤثرات تتعلق بالظروف الاتصالي ، كالمشاهدة لتجنب التعارض مع الآخرين.

ويمكن الحديث عن تصنيف أخر للتلقي الذي قد يكون مباشر أو غير مباشر

أ‌- التلقي المباشر:

الذي يتم عندما تنساب الرسائل التلفزيونية من الوسيلة المادية إلى الحواس البشرية بصورة مباشرة، فالأفراد يشاهدون التلفاز بعلاقة حقيقية ومباشرة، حيث يتعرض الإفراد التلفزيون باعتباره وسيلة منزلية بصورة مباشرة.

ب- التلقي غير المباشر:

لا تقف حدود التلقي المباشر، فهما أو تفسيرا أو تأثيرا، عند حدود الأفراد إنما تنتقل وتفسر الرسائل إلى الآخرين بشكل غير محسوس وهنا يصبح الحديث عن النوع الثاني للتلقي، حيث لا تقتصر حدود التعرض للتلفزيون باعتباره وسيلة جماهيرية على المتعرضين لها بشكل مباشر، وإنما يسير أيضا وفق نظريات التأثير غير المباشر فيما بين أفراد الجماعات الأولية من خلال وسطاء تماما مثلما يحدث وفق نظرية تدفق المعلومات عبر مرحلتين من خلال قائد الرأي.

II-3- أنماط المشاهدة التلفزيونية:

إن ما نقصده بأنماط المشاهدة التلفزيونية هي تلك الأوقات التي يتعرض فيما الأفراد للتلفزيون والحجم الساعي الذي يقضونه في التعرض للبرامج التلفزيونية وكيفية المشاهدة (الرفقة) أثناء المشاهدة ورود الأفعال أثناء وبعد المشاهدة والتأويلات المختلفة والقنوات المختارة للمشاهدة والبرامج التي يتعرض لها الأفراد بالإضافة إلى سلطة اتخاذ قرار المشاهدة . أي أن الملتقي لدى تعرضه للمشاهدة التلفزيونية يعيد إنتاج خطاب المرسل الذي يؤثر مباشر على مواقفه وسلوكاته وبالتالي يحاول أن يحلل هذا الخطاب ، واتجاه بعض الباحثون إلى التركيز على نشاط المتلقي وبينوا اختلاف وتباين التأويلات لرسالة واحدة .فعملية التلقي هنا هي سيرورة يقيم فيها المشاهد ذهنيا بين استعداداته وتجربته ومعارفه بين دلالات ورموز المحتوي الذي يتلقاه وبالتالي تكون نتيجة التلقي هي المواجهة بين اقتراحات الرسالة واستعدادات المشاهد، هذه المواجهة عبارة عن حركة مستمرة للمقارنات بين الرسالة التي يدركها المشاهد وبين ما يصنفه في ثقافته تطلعاته ومراكز اهتمامه .معناه مطابقة أحكام الذوق على الرسالة فالتلقي هو عملية يتفاعل فيها المشاهد مع ما يتلقاه يؤدي هذا التفاعل إلى بروز حملة من المواقف والسلوكات التي تختلف باختلاف التأويلات والدلالات للرسالة .

 

III- نماذج دراسات التلقي

III-1- نموذج الاستعمال والإشباع:

تهتم هذه النظرية بدراسة الاتصال الجماهيري دراسة وظيفة منظمة فخلال عقد الأربعينيات من القرن 20، أدى إدراك العواقب والفروق الفردية والتباين الاجتماعي على إدراك السلوك المرتبط بوسائل الإعلام، إلى بداية منظور جديد للعلاقة بين الجماهير ووسائل الإعلام . وكان ذلك تحولا من رؤية الجماهير على أنها عنصر سلبي غير فعال، إلى رؤيتها على أنها فعالة في انتقاء أفرادها لرسائل ومضمون مفضل من وسائل الإعلام وقد جاء نموذج الاستخدامات والإشباعات كرد فعل لمفهوم قوة وسائل الإعلام الطاغية أي المتأثرة ، ويضفي هذا النموذج صفة الايجابية على جمهور وسائل للإعلام فمن خلال منظور الاستخدامات لا تعد الجماهير مجرد مستقبلين سلبيين لرسائل الاتصال الجماهيري، وإنما يختار الأفراد بوعي وسائل الاتصال التي يرغبون في التعرض إليها، ونوع المضمون الذي يلبي حاجتهم النفسية والاجتماعية من خلال وسائل الإعلام، ويرى كاتز Katz أن منظور الاستخدامات والاشباعات يعتمد على خمسة فروض لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة تتمثل في :

إن أعضاء الجمهور مشاركون فعالون في عملية الاتصال الجماهيري. ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق أهداف مقصودة تلبي توقعاتهم .

يعتبر استخدام وسائل الاتصال عن الحاجات التي يدركها أعضاء الجمهور ويتحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية وعوامل التفاعل الاجتماعي وتتنوع الحاجات باختلاف الأفراد.

التأكد على أن الجمهور هو الذي يختار الرسائل والمضمون الذي يشبع حاجته، فالأفراد هم الذين يستخدمون وسائل الاتصال، وليست وسائل الاتصال التي تستخدم الأفراد.

يستطيع أفراد الجمهور دائما تحديد حاجتهم ودوافعهم، وبالتالي يختارون الوسائل التي تشبع تلك الحاجات.

يمكن استدلال على المعاير الثقافية السائدة من خلال استخدام الجمهور لوسائل الاتصال ، وليس من خلال محتوى الرسائل فقط .

ويحقق من منظور الاستخدامات والاشباعات ثلاث أهداف رئيسة:

السعي إلى اكتشاف كيف يستخدم الأفراد وسائل الاتصال، وذلك بالنظر إلى الجمهور النشط الذي يستطيع أن يختار ويستخدم الوسائل التي تشبع حاجاته وتوقعاته .

شرح دوافع التعرض لوسيلة معينة من وسائل الاتصال، والتفاعل الذي يحدث نتيجة هذا التعرض.

التأكيد على نتائج استخدام وسائل الاتصال بهدف فهم عملية الاتصال الجماهيري ويربط " آلان روبرت" هذه الأهداف الثلاثة بمنظور التحليل الوظيفي من خلال التأكد على نمط السلوك الفردي ، حيث يكون الفرد هو وحدة التحليل (UNITE) ، وتكون علاقات الفرد بمحيطه الاجتماعي هي البناء STRUCTURE) ( ويكون ملاحظة سلوك الأفراد عند استخدام لوسائل الاتصال هو الأنشطة ، وتكون نتائج نمط السلوك الفردي في علاقته مع كل من وسائل الاتصال والمحتوى والاهتمامات العامة للجماهير هي الوظائف1.

ولقد ساهم الوصف الذي قدمه " كاتز وبلومر " لمدخل الاستعمالات والإتباع على تحديد الأبعاد العامة لبحوث الاستعمال والإتباع، وقد ساهمت دراسات عديدة أخرى في صياغة أسس لتوجيه البحوث في هذا المجال ومن أهم هذه الأسس2.

1- افتراض الجمهور النشط:

يعارض باحثو الاستخدام والإتباع المقولات الكلاسيكية لبحوث التأثير حول دور الجمهور في عملية الاتصال الجماهيري، والتي كانت ترى أن جمهور الإعلام متلقيا سلبيا أمام قوة الرسالة وتأثيرها الفعال في المتلقي ، حتى ظهر مفهوم الجمهور العنيد الذي يبحث عما يريد أن يتعرض إليه ويتحكم في اختيار الوسائل التي تقدم هذا المحتوى وقد يرجع الفضل إلى ما قامه "كاتز" في تحويل أبحاث الاتصال إلى تقليل الاهتمام بما تفعله وسائل الإعلام بالناس وزيادة أو التركيز على المتلقي فمنذ ذلك الحين تم إدراك جماهير وسائل الاتصال الجماهيرية باعتبارهم نشطين، ويختارون التعرض للوسائل التي تلبي حاجتهم والمضمنون الذي يتفق مع توقعاتهم .

ويرى ( بلومر) أن عنصر النشاط أو الفعالية لدى الجمهور يشير إلى الدافع الأساسي والانتقائية والأذواق واهتمامات التي يمكن أن تحدثه في حالته التعرض لوسائل الإعلام.

2– دوافع تعرض الجمهور لوسائل الإعلام.

ينظر بعض الناس إلي الدوافع باعتبارها حالات داخلية يمكن إدراكها وفهمها مباشرة من جانب أفراد الجمهور وتفترض هذه النظرية أن دوافع تعرض الفرد لوسائل الإعلام يعكس سلوك إيجابيا ذو قيمة، واتجاهات إيجابية نحو وسائل الإعلام، وأن المتلقي لدية الوعي والقدرة على التعبير عن اتجاهاته بشكل مباشر، ويسعي إلى إشباع الدوافع من خلال التعرض لوسائل الإعلام.

ويمكن تقسيم دوافع التعرض إلى فئتين:

أ- الدوافع المنفعية:

يستهدف التعرض على الذات، اكتساب المعرفة والمعلومات والخبرات وجميع أشكال التعلم.

ب- دوافع طقوسية: Ritualized Motives

تستهدف تمضية الوقت، الاسترخاء، الصداقة، الألفة مع الوسيلة والهروب من المشكلات وتتمثل هذه الفئة في تعرضها إلى المسلسلات، الأفلام، المنوعات ...إلخ.

3- التعرض لوسائل الإعلام :

أشارت دراسات عديدة إلى وجود علاقات ارتباط بين البحث عن الاشباعات والتعرض لوسائل الإعلام، ويعتبر زيادة تعرض الجمهور بوجود عام لوسائل الإعلام على نشاط هذا الجمهور، وقدرته على اختيار المعلومات التي تلبي إحتياجاته.

وقد أظهرت دراسات عديدة في الـو. م.أ أن الاستماع للبرامج الجادة مثلا يرتبط ارتباطا كبيرا، بمستوى التعليم، وهناك ارتباط إيجابي بين مقدرة الفرد الذهنية في درجة استيعابه للرسالة الاتصالية .كذلك يفضل الأفراد من صغار السن المواد الترفيهية أكثر من المواد الجادة، وكلما تقدم السن يتحول الاهتمام إلى الموضوعات الواقعية والجادة.

4 – إشباعات وسائل الإعلام :

لقد اهتمت دراسات الاستخدامات والإشباعات منذ السبعينات بضرورة التمييز بين الاشباعات التي تتحقق، ويرى "سوانسون" إمكانية ربط محتوى الرسالة بالاشباعات المحققة، فبرامج الترقية والدراما يمكن أن تحقق إشباع التنفس والتخلص من التوتر والقلق والهروب من المشكلات اليومية. أما برامج الأخبار والمعلومات يمكن أن تحقق إشباع يتمثل في الحصول على المعلومات والخبرات والمهارات .

III-2- نموذج التلقي:

تعود المنطلقات الأولى لنظرية التلقي إلى دراسات النصوص الأدبية بألمانيا سنة 1960 حيث ظهرت الفكرة فيها ثم توسعت واتخذت أبعاد متنوعة وكانت هذه الدراسات تعطي الأهمية لدور القارئ في فهم النصوص الأدبية، ولم يأتي موضوع الاهتمام بالملتقى من العدم، إذا كانوا في القديم يهتمون بالإقناع، وفكرة أرسطو حول أن التطهير من الانفعالات يحدث بفضل العمل الدرامي، حيث أن مشاهدة العنف في السينما أو التلفزيون يؤدي بالمشاهد إلى تسريح شحنة العنف الكامنة فيه، والتطهير عنده من الوسائل التي تحدد المتعة واللذة لدى المتلقي.

كما اهتم " رولان بارث" على المتلقي في دراسته الشهيرة " موت المؤلف " la mort de l'auteur " أين يقول فيها: " أنه ينبغي لسلطة الكاتب أن تزول تماما" وهذه المنطلقات كخليفة فكرية للتلقي 1.

ويقصد بنموذج التلقي النظرية العامة والنظريات الفرعية والمقاربات التي حولت الدراسة من محتوى الرسالة وعلاقتها بالتأثير الذي يحدث في سلوك الجمهور " الرسالة والتأثير من ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور إلى التركيز على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور الانتقائي والفعال إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام أي الاهتمام بالرسالة والمتلقي1.

وقد طرحت إشكالية تلقي الرسالة الإعلامية انطلاقا من ثمانينات القرن الماضي ، حيث تطور النموذج مع تطور المنهج الانتروبولوجي في دراسات الاتصال الجماهيري ودراسات الجمهور إلى تيار الأبحاث المتعلقة بالأسر والتكنولوجيات المنزلية عن الاستعمال العائلي للمبتكرات التكنولوجيات الجديدة " التلفزيون " الفيديو، الحاسوب..."

بدأ الاهتمام في منتصف الثمانينات ينصب حول الاستعمالات الأسرية للتلفزيون في دراسة قامها " دافيد مورلي" سنة 1986، تنطلق هذه الدراسة من فكرة مؤداها بأن الجمهور نشط وفعال في تعرضها للتلفزيون، حيث انتقل دافيد مورلي من دراسة الرسائل " المحتوى" إلى دراسته للمشاهدين (المستقبلين)، وذلك بتوضيح سيرورة عملية المشاهدة في سياق الأسري .

استعمل في دراسة المنهج الإثنوغرافي التفاعلات بين مختلف أفراد العائلة أمام الشاشة لإستقبال الرسائل التلفزيونية الذي هو الفضاء المنزلي .شملت الدراسة 18 عائلة بريطانية متكونة من شخصين راشدين و طفلين تنتمي إلى الطبقة العاملة ذات مستوى اجتماعي وثقافي ، وكان هدف دافيد مورلي هو اكتشاف الاختلافات بين العائلات لحظة تعرضهم لمشاهدة التلفزيون أي تأثير عامل الجنس والمستوى التعليمي والاتجاه الأيديولوجي على امتلاك قرار اختيار البرامج لحظة مشاهدة العائلة للتلفزيون. فحسب " مورلي" تعتبر المشاهدة التلفزيونية عملية يومية معقدة ، تمارس عائليا ، في الفضاء الأسري .وتجدر الإشارة إلى أن أبحاث " مورلي دفيد" قد قدمت الكثير للمناقشات المتعلقة بمسألة الاستقبال أو المشاهدة التي برزت كظاهرة رئيسية وهامة ارتبطت بالأبحاث الخاصة بالتلفزيون خلال الثمانينات و أهم ما ميز هذه الأبحاث أنها تعرضت لتدخل العوامل الاجتماعية والعلاقات الشخصية أثناء مشاهدة التلفزيون ، ويركز الباحث

( مورلي) على مفاهيم السياق الأسري لتفسير هذه العملية.لقد أحدث هذه الاتجاه الجديد من أبحاث التلقي قطيعة مع نموذج التأثير الذي كان سائدا في الأربعينات ، وقام بتغير الاتجاهات الابستمولوجية للأبحاث المتعلقة بوسائل بصفة عامة والتلفزيون بصفة خاصة .فهدف الدراسة أصبح لحظة التعرض لهذه الوسيلة التي يجب أن تحلل كعملية قائمة اجتماعيا وثقافيا وكمرحلة لتشكيل المعنى من طرف المشاهدة .

وينتمي هذا الاتجاه من الأبحاث إلى الدراسات الثقافية والتي تشكل المقاربة النقدية التي تهتم بإشكالية الجمهور .

ويمكن الإشارة إلى أن هذه الدراسات تلتقي في أهدافها مع مقاربة الاستعمال والإشباع في تعرضها إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام.1

وقد تميز نموذج التلقي بانتقال اهتمامات البحث من قضايا الايدولوجيا وتحليل الرسائل المتلفزة من خلال تساؤلات حول البنية الطبقية وعملية فك الرموز إلى التمايز في ممارسة المشاهدة من منظور النوع داخل العائلة ترتب عن هذا التحول إعادة تأطير قضية التلقي داخل سياق يستدعي الربط بين التكنولوجيات الجديدة ووسائل الاتصال الجماهيري والديناميكيات العائلية بهدف عملية التلقي في أبعادها المتعددة1 .

III- 3 مفاهيم الجمهور الحديثة:

تستمد المفاهيم الجديدة المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام وسلوكياته وأبحاثه مقوماتها أساسا من الأدبيات التي أوجدتها تيارات ما بعد الحداثة وذلك ابتداء من القرن 20، وأيضا من الأجواء التي خلقتها تكنولوجيات الإعلام والاتصال في المحيط الاتصالي المتحرك .

وقد تتجلى أفكار ما بعد الحداثة  المطروحة في جوانب التلقي المختلفة والنقاشات التي كانت قد جرت من قبل حول العناصر الأكثر دلالة في المفاهيم الأكثر تداولا في أبحاث الجمهور على يد العديد من الباحثين ومنهم ( دافيد مورلي) وغيرهم من اللذين لازالوا يواكبون على تطورات دراسات الجمهور ومن أهم هذه المفاهيم الحديثة للجمهور تتمثل فيما يلي:

1- مفهوم السياق المنزلي:

تعتبر الاتجاهات الحديثة في المشاهدة التلفزيونية كنشاط يومي معقد يجري في السياق المنزلي ويمارس ضمن العائلة فالتلفزيون تستقبل سياق بالغ التعقيد والقوة ، غير أن طابع السياق للتلقي يطرح تساؤلات حول الكيفية التي تستعمل بها التلفزة في المنزل ، حول سلطة إتخاد القرارات المتعلقة باختيار القنوات التلفزيونية وبرامج التلفزيونية التي تشاهد الأسرة.إن مفهوم السياق المنزلي يسمح بالاهتمام أكثر بمختلف جوانب الظاهرة فالإطار الذي تستقبل فيه الرسائل الإعلامية مع حضور أفراد العائلة داخل الوسط الأسري يطرح التساؤلات حول الكيفية التي تتحقق بها عملية الاتصال في هذا السياق المنزلي ، وكيف يتم فيه إدماج التكنولوجيات المنزلية وتكيفها مع مستلزمات هذه البيئات.

حيث تسعى أبحاث التلقي الحديثة من الإجابة على هذه التساؤلات في تطوير نموذج للاتصالات المنزلية والأخذ بعين الاعتبار نشاطات الاتصال المتنوعة التي تتعايش في وضعية المشاهدة التلفزيونية مع الاستعمالات الأخرى للتكنولوجيات الاتصال والإعلام المنزلية مثل الكمبيوتر أقراص الفيديو DVD ، الراديو...الخ.

ويستبعد تحليل سياق المشاهدة التلفزيونية المفهوم العددي للجمهور ، حيث لم يعد مجرد حصيلة عددية لأفراد الأسرة الذين يتابعون البرامج والحصص ، وإنما أصبح ينظر إلى المتلقي كعضو دينامكي فعال ممارس لنشاط اتصالي في الحياة اليومية للأسرة .كما ينبغي أن يركز تحليل السياق المنزلي على بحث الكيفية التي يتم بها إدماج التكنولوجيات حتى تصبح جزءا لا يتجزأ من الدينامكية الداخلية وتنظيم الفضاء المنزلي .

2- مفهوم التكنولوجيات المنزلية: Domestique technologies

تتضمن مجموع المنتجات والتكنولوجيات التي تستعمل في سياق خلايا اجتماعية كوسائل اتصال جماعية وفردية ، والتي تشغل حيزا منزليا في السياق الأسرية مثل آلة تسجيل ، جهاز كمبيوتر والهاتف وأجهزة الاستقبال الإذاعي والتلفزيون والفيديو خاصة منها المرتبطة بشبكة الانترنت، وقد احتكر التلفزيون منذ ثمانينات القرن الماضي استعمال هذا المفهوم تبعا للدراسات المكثفة حول الانعكاسات الاجتماعية لهذه التقنية الجديدة وأثارها على العلاقات الاجتماعية الأسرية وعلى السلوكيات الأفراد وخاصة على سلوكيات الأطفال وعلى التحصيل الدراسي ، ودور الآباء في توليف (جعلها أليفة) هذه التكنولوجيات وتطويرها لإشباع الاحتياجات والترفيه والتقنية والتعليمة لمختلف أفراد الأسرة.

وتعني التكنولوجيا الممارسات المتولدة عنها الدلالات التي تثيرها فالتكنولوجيات لا تتوفر فقط على قيمة مادية ولكنها تتضمن أيضا قيمة رمزية من خلال استعمالاتها ، الأمر الذي يعطي كل الأهمية لفهم الكيفية التي يتم بها إدماجها في الحياة العائلية ، وفهم الكيفية التي تؤثر بها الحياة العائلية اليومية في التكنولوجيات المنزلية.

وبهذه الصيغة تصبح دلالات التلفزيون، وبالتالي كل التكنولوجيات المنزلية تضم في نفس الوقت دلالات النصوص ودلالات التكنولوجيات وينبغي أن تفهم كخصائص مستحدثة لممارسات الجمهور.

3- الدينامكية العائلية family dynamism

أدخل هذا المنظور تعديلا هاما على مفهوم الجمهور الذي لم يعد مجرد فرد مشاهد لكنه عضو في الجماعة ( العائلة ) المشاهدة وجعل الأسرة مجالا نشيطا للممارسات الاجتماعية التي تتأثر في نفس الوقت بالمحيط الاجتماعي والثقافي و بالخصوصيات الموجودة داخل كل عائلة كالعادات والتقاليد والطقوس.

فالدينامكية العائلية يقصد بها قدرة العائلات على التحكم في هذه التكنولوجيات وإدماجها كأدوات عادية وضرورية في الممارسة اليومية للأسرة وقدرتها على التأويل وإضفاء الرموز التي تحملها هذه التكنولوجيات ومضامين الرسائل التي تنقلها وفقا للخصوصية الثقافية والطقوس الأثينية والدينية ، كما تعني أيضا قدرة العائلات على إستعاب الرسائل الظاهرة والضمنية التي تحملها تكنولوجيات الإعلام والاتصال

اذ تكمن دراسة الديناميكية العائلية من تحليل المشاهدة او الاتصال الفردي في إطار العلاقات العائلية من خلال التفاعلات التي تحدث داخلها و يسمح هذا السياق بتجديد العوامل الحاسمة في ممارسة المشاهدة من حيث السلطة و المسؤولية و الرفاهية في مكان معين و في أوقات معينة

 

III- 4- مؤشرات الجيل الثالث من دراسات التلقي:

شهدت دراسات الجمهور في بداية العقد الأول من هذه الألفية تطورا سماه (دافيد مورلي) الجيل الثالث من دراسات التلقي في سياق إعادة التفكير في جمهور وسائل الإعلام، بعدما كان ينظر اله كفرد سلبي و فعال.

إن هذا الجيل الجديد الذي لم ترتسم معالمه النهائية بعد، ولكن يمكن تلمسه في العديد من الظواهر و المفاهيم المرتبطة به، هو انعكاس ناجم عن جملة من الأحداث والعوامل والمؤشرات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية التي كان لوسائل الإعلام الدور الحاسم في إبرازها. والتي عايشها هذا الحدث.

فعلي الصعيد الاقتصادي أعاد النهوض بالبلدان الآسيوية والمسماة بالنمور الآسيوية والنمو الاقتصادي الذي حققته وتحققه الصين منذ بداية القرن الحالي والذي فتح لديها آفاقا للدخول في منافسة مع الدول القوية المحتكرة للاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والعلم.

ومن ضمن الأبعاد الجديدة التي اكتسبها منظور التلقي بفضل تطور أبحاث الجمهور وانعكاسات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الجديدة، عنصر الوجود اللامادي واللامحدودية في الزمن، والمكان، (معناه ظاهرة القدرة الكلية على التواجد في كل مكان وفي نفس الزمن).

والذي أصبح يطلق عليه عالم ما بعد الجمهور، حيث أضافت هذه التكنولوجيا تشكيلة متنوعة من العناصر الداخلة في تكوين الجمهور، لم تكن متوفرة في أنظمة الاتصال الجماهيرية سابقا وهو نظام الاتصال الرقمي والشبكة.العنكبوتية العالمية، حيث أن الاتصال الرقمي لم يمنح حرية الاختيار المطلق للملتقى وحسب، لكنها قضت أيضا على العديد من القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية على جمهورها وهذا بعد عرض نسخ من خدمات وسائل الإعلام عبر مواقع الشبكة العنكبوتية وإنشاء وسائل إعلام جماهيرية إليكترونية (e-media) وكذا الجرائد والمجلات الإليكترونية عبر مواقع الإنترنت وكذا التلفزيون عبر الأنترنت. حيث ساهمت هذه التكنولوجيات في تنامي وتطور مفهوم جمهور المتلقين النشط والفعال الذي يتخذ قراره في الرسالة والمصدر والمحتوى وجعله يتفاعل مع هذه التكنولوجيات، وأعطت للمعرفة الإدراكية دورا فعالا والتي تعمل على إحلال التفاعلية محل التأثير، فالفرد في الجمهور يقبل أو يرفض، يقترب، يتجنب، يتعرض أو لا يتعرض لوسائل الإعلام كل هذا بناء على قرار اختياره وتفضيله.

 

خاتمة

بعد استعراضنا لأهم مقاربات التلقي والمفاهيم الحديثة للجمهور توصلنا إلى أن الفرد في الجمهور يتفاعل بصفة مستمرة مع الرسائل الإعلامية، حيث ساهمت تكنولوجيات الحديثة في تطور مفهوم جمهور المتلقين وهذا نتيجة التطورات المذهلة والسريعة التي تشهدها هذه التكنولوجيات.

ويمكن أن نقول في الأخير أن أبحاث الجمهور في تطور مستمر وقوي خاصة بعدما أصبحت وسائل الإعلام والاتصال الحديثة في قبضة يد الجمهور الذي أصبح يستطيع أن يتحكم فيها وبكل سهولة وكذا اللامحدودية في الزمن والمكان.

 

المراجع المعتمدة:

1- مكاوي عماد، الاتصال ونظرياته المعاصرة ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة، 1998 .

2- آلان روبرت ، التلفزيون والنقد المبني على القارئ، ترجمة حياة قاسم محمد، دراسات إعلامية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة الثقافة، تونس ، 1991 .

3- قسايسية علي ، المنطلقات النظرية والمنهجية لدارسات التلقي في الجزائر ، أطروحة دكتوراه ، قسم علوم الإعلام والاتصال جامعة الجزائر، 2007.

4- قراينية وردة، أنماط تلقي البرامج التلفزيونية لدى الأسرة الجزائرية، دراسة إثنوغرافية، رسالة ماجستير، قسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 2008.

5- عقبي نصيرة، جمهور التلفزيون ونظرية الاستعمالات والاشباعات، دراسة استكشافية في الاستعمال والإشباع على عينة من الأسر في الجزائر العاصمة، رسالة ماجستير ، قسم علوم والاتصال ، جامعة الجزائر، 2003.

6- مزيان ناجية، جمهور القنوات الفضائية العربية ، دراسة مسحية لإستخدمات واشباعات المرأة غير العاملة في الجزائر العاصمة، رسالة ماجستير، قسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2006 م.

Partager cette page
Repost0